Reports ( تقارير)



إصابات العمل في قطاعات البناء وتشكيل المعادن والصناعات الغذائية في محافظة أريحا/فلسطين
عصام أحمد الخطيب، ريم مقدادي، رامي حبش، غادة عليان، فداء خفش، سالم جرايسه

تعدّ حوادث العمل وإصاباته من العوامل المهمة التي تؤثر تأثيراً كبيراً على صحة العاملين، ومن ثم على الصحة العمومية والمجتمعية. ومن أجل ذلك جاء الاهتمام بهذه الدراسة التي استهدفت قطاعات عمل ثلاثة وهي: قطاع تشكيل المعادن، وقطاع الصناعات الغذائية، وقطاع البناء، وتمت دراسة إصابات العمل الحاصلة في هذه القطاعات، ما بين عامَيْ 1999 و2000 في محافظة أريحا في الضفة الغربية من فلسطين. حيث سجلت 113 إصابة عمل، وجمعت معلومات حول هذه الإصابات، تتعلق بطبيعة الإصابة، وموقعها، والسبب المباشر لها، بالإضافة إلى معلومات شخصية حول العامل المتعرض للإصابة. وقد وجد أن الإصابات تتركز في قطاعَيْ تشكيل المعادن والبناء، وأن الفئات العمرية الأكثر تعرضا هي فئة الشباب في العشرينات من العمر، وأن معظم العاملين في هذه القطاعات هم من الشباب، وتتنوع الإصابات ومواقع التعرض لها في الجسم. ونظراً لأن المعلومات المتوافرة حول إصابات العمل في السنوات 1997 و1998 و2001-2003 قليلة وغير دقيقة، فقد تمت الاستفادة من هذه المعلومات 
في المقارنة العامة، دون تحليلها تحليلاً مفصلاً.


موضوع إصابات العمل من الموضوعات الهامة التي يجب التركيز عليها ودراستها بمختلف أبعادها، ومحاولة التقليل من حدوثها، لاسيّما وأن تعاليم الإسلام هي المرشد الأول في الدعوة لالتزام أسباب الأمن والسلامة في كـل شيء، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). وإصابة العمل هي كل ما يقع نتيجة لشيء غير متوقع، أو غير مخطط له مسبقًا، ويؤدي إلى الإضرار بالإنسان بالدرجة الأولى، والمواد والأجهزة بالدرجة الثانية؛ سواءً كان ذلك بسبب الإهمال، أو قلة الاحتراز، أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بالوقاية والسلامة المهنية في أماكن العمل. وقد وجد أن نسبة إصابات العمل تتناسب طرداً مع قلة الخبرة، وتزداد عند العمال الموظفين توظيفاً مؤقتاً، وعند العمال غير المهرة، بالإضافة الى أنماط الممارسات المرتبطة بالعمر، وخاصة عند المراهقين، كالمزاح أثناء العمل. أما أسباب إصابات العمل، فتختلف من حيث طبيعتها، وأسبابها تبعاً لظروف حدوثها، والعوامل المختلفة التي أدت إليها، ويمكن القول بأنه لا توجد قاعدة ثابتة لمعرفة كيفية وقوع الحوادث، إلا أن أغلبية الحوادث التي تقع، تعزى لقصور من قبل الإنسان. وتقع إصابات العمل بشكل متكرر في معظم بلدان العالم، ويعدّ قطاع البناء من القطاعات التي تكثر فيها حوادث العمل، وخاصة السقوط، حيث تعتبر السلالم، والسقالات، والفتحات غير المغطاة، أكثر الأماكن خطورة على العمال. وهنالك أمور رئيسية يمكن تنفيذها في القطاعات كافة، وفي جميع مواقع العمل، للوقاية من وقوع الحوادث، وتقليلها، والحد منها. وتتمثل في وجود مسؤول عن الصحة والسلامة المهنية في الموقع. كما أن منع الخلل في بيئة العمل يعدّ من الأمور الأساسية التي تقلل من إصابات العمل. ويعدّ إجراء الفحص الابتدائي الصحي، والفحص الدوري للعاملين كافة ، ونشر الثقافة الصحية، من العوامل المهمة في الحفاظ على سلامة العمال، والتقليل من وقوع إصابات العمل. كما يعدّ التدريب على أداء العمل، واستعمال المعدات، والآليات الملائمة، والتشجيع والتحفيز على الالتزام بشروط السلامة المهنية، من العوامل المهمة في فهم العامل لطبيعة عمله، وهو مما يساعده بشكل كبير على الوقاية من إصابات العمل. أما بالنسبة للواقع الفلسطيني، فمع تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية لمهامها في العام 1994، تم إنشاء وزارة العمل، التي قامت بتشكيل الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية. كذلك قام الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين بتشكيل دائرة مركزية، وعدّة دوائر فرعية للصحة والسلامة المهنية في جميع المحافظات. ومع ذلك لا يزال الوضع دون المستوى المطلوب، نتيجة لقلة أو عدم اهتمام أصحاب العمل، بتوفير أسس الصحة والسلامة المهنية ومتطلباتها في مكان العمل. ونظراً للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها العنصر الأساسي في عملية الإنتاج وهو الإنسان، مما يؤدي إلى خلل في الطاقة الإنتاجية، ونظراً لأن سلامة الطاقة الإنتاجية هي عماد اقتصاد الوطن.




. فئة الشباب:
 نجد أن فئة الشباب من 19-29 سنة هي أكثر الفئات العمرية تعرضاً للإصابات، وقد يرجع ذلك إلى:
·   أن معظم العمال هم أصلا من هذه الفئة العمرية.
·   أن الشباب في هذه الفترة يبدأون العمل وتكون خبرتهم أقل ممن هم أكبر منهم سناً؛ لذا فهم أكثر عرضة للإصابة. من هنا تظهر الحاجة الملحة لتدريب العمال، وإعدادهم للقيام بهذه الأعمال على خير وجه، خاصة وأن التدريب والتثقيف يعدّان من أهم العوامل التي تسهم إلى حد كبير في خفض نسبة إصابات العمل بين فئة الشباب.
·   أن هذه الفئة من العمال توكل إليها المهام الأخطر، وبالتالي فهم أكثر عرضة للإصابة.

2. العاملون في قطاعي تشكيل المعادن والبناء:
بينت الدراسة (الجدول رقم 2) أن أكثر الإصابات تقع في قطاعي تشكيل المعادن والبناء، حيث بلغت نسبة إصابات العمل في هذين القطاعين 58.7% من مجموع الإصابات بينما بلغت نسبة القوى العاملة في هذين القطاعين 38.5% في عام 1999 و46.3% في عام  2000 (الجدول رقم 5)، وقد يعود ذلك إلى بعض خصائص العمل في هذين القطاعين وأهمُّها ما يلي:
·   تعدّ صناعة تشكيل المعادن من الصناعات الخطرة، إذ إنها تتعامل مع مواد ومعدات خطرة تحتاج إلى مجهود جسدي كبير، وساعات عمل طويلة، مما يضعف العامل ويجعله أكثر عرضة للإصابة.
·   كذلك يعدّ قطاع البناء من القطاعات التي تكثر فيها حوادث العمل، إذا يوجد فيه العديد من الأنشطة التي يتعرض فيها العامل إلى مخاطر جمة، كالهدم وإزالة الأنقاض، وتحضير موقع العمل و تجهيزه، وتخزين المواد، والأجهزة، والمعدات، والنقل، والمناولة يدويا أو آليا، والعمل على ارتفاعات مختلفة وعالية في الكثير من الأوقات. وتشمل أعمال البناء أعمال الحفر، والأعمال المعدنية، وأعمال الخرسانة، وأعمال بناء الطوب والحجر، بالإضافة إلى الترميم و الصيانة والتشطيبات. وتتميز هذه الصناعة عن غيرها من الصناعات بارتفاع نسبة الحوادث المميتة والمهدرة للوقت والمال .
·   عدم تدريب العمال على القيام بمهام صناعة تشكيل المعادن، وكذلك الحال بالنسبة لقطاع البناء، بطرق تضمن سلامتهم.
·   عدم توافر وسائل السلامة والأمان في مكان العمل أو عدم كفايتها.
·   عدم معرفة العمال في هذين  القطاعين بأهمية استعمال وسائل السلامة والأمان خلال العمل.
أما عن تأثير الإصابة على جسم العامل فإن الشكل رقم 1 والجداول2   و3 و4 تبين ما يلي:
·   أن الأطراف العلوية هي أكثر أعضاء الجسم عرضة للإصابة، وذلك لأنها الأجزاء المستخدمة عادةً لتنفيذ العمل. أما الأطراف السفلية، فهي التي تصاب على الغالب نتيجة سقوط بعض الأشياء عليها أثناء العمل. وأما منطقة الرأس والرقبة، فالإصابات فيها ناتجة على الأغلب عن الشظايا والمواد المتطايرة.
·   أن العمال يتعرضون بشكل رئيسي للرضوض نتيجة الإصابة، وقد يتعرضون للجروح أو الكسور بشكل متوسط، وللحروق والتسمم بشكل بسيط، أما حالات الوفاة فهي نادرة.
·   أن ارتفاع عدد الإصابات الناتجة عن سوء استعمال الآلة، وإهمال التعليمات بشكل رئيسي، يؤكدان ما سبق ذكره حول كفاءة العمال، وتناسب قدراتهم مع المهام الموكلة لهم، وعدم كفاية التدريب الذي يتلقاه العمال للقيام بمهام العمل بطرق أكثر أمناً، وعدم توفر مواد السلامة والأمان وكفايتها في مكان العمل، وعدم معرفة العمال باستعمال وسائل السلامة والأمان خلال العمل أو عدم تقيدهم بذلك.

لذلك فإنه من الضروري وجود تعاون بين جميع الفئات ذات العلاقة بالصحة والسلامة المهنية، مثل مفتشي السلامة المهنية في وزارة العمل، ومتعهدي البناء الرئيسيين والفرعيين، مع ضرورة أن تكون الاحتياجات الخاصة بالسلامة من شروط العقد، مع أهمية تزويد جميع العمال بتعليمات السلامة وتدريبهم عليها، وتعيين خبير للسلامة المهنية في المؤسسات الصناعية الكبيرة، وخاصة مصانع التعدين وورش البناء.

ومن الضروري أيضاً التخطيط لتقليل إصابات العمل، عن طريق صقل مواقف المؤهلين لتسنم المواقع الإدارية في المستقبل، وتصرفاتهم تجاه المخاطر، وحوادث العمل التي تحدث في مؤسساتهم، خاصة وأن إصابات العمل تعني تعطلاً للإنتاج، وخسارة اقتصادية للمؤسسة. إن دور المديرين في منع إصابات العمل يمكن وصفه بأنه حاسم. إذ إن المديرين التقليديـين غالباً ما يستبعدون وقوع إصابات العمل في القطاع الذي يشرفون عليه. وهذا التفكير يجعلهم يهملون وضع خطط استراتيجية، وتحديد أنشطة لمنع إصابات العمل، ولذلك فإن إعطاء مديري المستقبل مادة تعليمية تتناول السلامة المهنية في بيئة العمل أثناء دراستهم الجامعية، يعدّ من الأمور المهمة التي تؤدي الى صقل تفكيرهم، إذ إن الاهتمام الكبير، والمعرفة بهذه المواضيع أثناء الدراسة الجامعية، يمكن أن يمنع إصابات عمل مأساوية عندما يصبح الطلاب مديرين، وهذا يتفق مع ما توصل إليه عدد من الباحثين .

No comments:

Post a Comment